فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}.
اعلم أنه تعالى لما أنعم على قوم موسى عليه السلام بأنواع النعم ذكرهم إياها ولا شك أن إزالة المضرة يجب أن تكون متقدمة على إيصال المنفعة ولا شك أن إيصال المنفعة الدينية أعظم في كونه نعمة من إيصال المنفعة الدنيوية، فلهذا بدأ الله تعالى بقوله: {أنجيناكم مّنْ عَدُوِّكُمْ} وهو إشارة إلى إزالة الضرر فإن فرعون كان ينزل بهم من أنواع الظلم كثيرًا من القتل والإذلال والإخراج والإتعاب في الأعمال، ثم ثنى بذكر المنفعة الدينية وهي قوله: {وواعدناكم جَانِبَ الطور الأيمن} ووجه المنفعة فيه أنه أنزل في ذلك الوقت عليهم كتابًا فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم ثم ثلث بذكر المنفعة الدنيوية وهي قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} ثم زجرهم عن العصيان بقوله: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} ثم بين أن من عصى ثم تاب كان مقبولًا عند الله بقوله: {وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ} وهذا بيان المقصود من الآية ثم هاهنا مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة والكسائي قد أنجيتكم ووعدتكم إلى قوله: {مِن طَيّبَاتِ مَا رزقناكم} كلها بالتاء إلا قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} فإنها بالنون وقرأ الباقون كلها بالنون وقرأ نافع وعاصم وواعدناكم وقرأ حمزة والكسائي وواعدتكم.
المسألة الثانية:
قال الكلبي: لما جاوز موسى عليه السلام ببني إسرائيل البحر قالوا له: أليس وعدتنا أن تأتينا من ربنا بكتاب فيه الفرائض والأحكام.
قال بلى، ثم تعجل موسى إلى ربه ليأتيهم بالكتاب ووعدهم أن يأتيهم إلى أربعين ليلة من يوم انطلق، وإنما قال: {وواعدناكم} لأنه إنما واعد موسى أن يؤتيه التوراة لأجلهم وقال مقاتل: إنما قال: واعدناكم لأن الخطاب له وللسبعين المختارة، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
قال المفسرون: ليس للجبل يمين ولا يسار بل المراد أن طور سيناء عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام وقرئ الأيمن بالجر على الجوار نحو حجر ضب خرب وانتفاع القوم بذلك إما لأن الله تعالى أنزل التوراة عليهم وفيها شرح دينهم، وإما لأن الله تعالى لما كلم موسى على الطور حصل للقوم بسبب ذلك شرف عظيم.
المسألة الرابعة:
قوله: {كُلُواْ} ليس أمر إيجاب بل أمر إباحة كقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} [المائدة: 2].
المسألة الخامسة:
في الطيبات قولان: أحدهما: اللذائذ لأن المن والسلوى من لذائذ الأطعمة.
والثاني: وهو قول الكلبي ومقاتل الحلال لأنه شيء أنزله الله تعالى إليهم ولم تمسه يد الآدميين ويجوز الجمع بين الوجهين لأن بين المعنيين معنى مشتركًا.
وتمام القول في هذه القصة تقدم في سورة البقرة.
المسألة السادسة:
في قوله تعالى: {وَلاَ تَطْغَوْاْ} فيه وجوه:
أحدها: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تطغوا، أي لا يظلم بعضكم بعضًا فيأخذه من صاحبه.
وثانيها: قال مقاتل والضحاك: لا تظلموا فيه أنفسكم بأن تتجاوزوا حد الإباحة.
وثالثها: قال الكلبي: لا تكفروا النعمة أي لا تستعينوا بنعمتي على مخالفتي ولا تعرضوا عن الشكر ولا تعدلوا عن الحلال إلى الحرام.
المسألة السابعة:
قرأ الأعمش والكسائي فيحل ومن يحلل كلاهما بالضم وروى الأعمش عن أصحاب عبد الله فيحل بالكسر ومن يحلل بالرفع وقراءة العامة بالكسر في الكلمتين أما من كسر فمعناه الوجوب من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه ومنه قوله تعالى: {حتى يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] والمضموم في معنى النزول وقوله: {فَقَدْ هوى} أي شقي وقيل فقد وقع في الهاوية، يقال: هوى يهوي هويًا إذا سقط من علو إلى أسفل.
المسألة الثامنة:
اعلم أن الله تعالى وصف نفسه بكونه غافرًا وغفورًا وغفارًا، وبأن له غفرانًا ومغفرة وعبر عنه بلفظ الماضي والمستقبل والأمر.
أما إنه وصف نفسه بكونه غافرًا فقوله: {غَافِرِ الذنب} [غافر: 3] وأما كونه غفورًا فقوله: {وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة} [الكهف: 58] وأما كونه غفارًا فقوله: {وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ} وأما الغفران فقوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} [البقرة: 285] وأما المغفرة فقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ} [الرعد: 6] وأما صيغة الماضي فقوله: في حق داود عليه السلام {فَغَفَرْنَا لَهُ ذلك} [ص: 25] وأما صيغة المستقبل فقوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48] وقوله: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقوله في حق محمد صلى الله عليه وسلم: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله} [الفتح: 2] وأما لفظ الاستغفار فقوله: {واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} [محمد: 19] وفي حق نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وفي الملائكة: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرض} [الشورى: 5] واعلم أن الأنبياء عليهم السلام كلهم طلبوا المغفرة أما آدم عليه السلام فقال: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23]، وأما نوح عليه السلام فقال: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى} [هود: 47]، وأما إبراهيم عليه السلام فقال: {والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} [الشعراء: 82] وطلبها لأبيه: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} [مريم: 47] وأما يوسف عليه السلام فقال في إخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ} [يوسف: 92] وأما موسى عليه السلام ففي قصة القبطي: {رَبّ اغفر لِي وَلأَخِي} [الأعراف: 151] وأما داود عليه السلام: {فاستغفر رَبَّهُ} [ص: 24] أما سليمان عليه السلام: {رَبّ اغفر لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا} [ص: 35] وأما عيسى عليه السلام: {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} [المائدة: 118] وأما محمد صلى الله عليه وسلم فقول:
{واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} [محمد: 19] وأما الأمة فقوله: {والذين جَاؤوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا} [الحشر: 10] واعلم أن بسط الكلام هاهنا أن نبين أولًا حقيقة المغفرة ثم نتكلم في كونه تعالى غافرًا وغفورًا وغفارًا ثم نتكلم في أن مغفرته عامة ثم نبين أن مغفرته في حق الأنبياء عليهم السلام كيف تعقل مع أنه لا ذنب لهم، ويتفرع على هذه الجملة استدلال أصحابنا في إثبات العفو وتقريره أن الذنب إما أن يكون صغيرًا أو كبيرًا بعد التوبة أو قبل التوبة والقسمان الأولان يقبح من الله عذابهما ويجب عليه التجاوز عنهما وترك القبيح لا يسمى غفرانًا فتعين أن لا يتحقق الغفران إلا في القسم الثالث وهو المطلوب، فإن قيل: هذا يناقض صريح الآية لأنه أثبت الغفران في حق من استجمع أمورًا أربعة: التوبة والإيمان والعمل الصالح والاهتداء، قلنا: إن من تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى ثم أذنب بعد ذلك كان تائبًا ومؤمنًا وآتيًا بالعمل الصالح، ومهتديًا ومع ذلك يكون مذنبًا فحينئذ يستقيم كلامنا، وهاهنا نكتة، وهي أن العبد له أسماء ثلاثة: الظالم والظلوم والظلام.
فالظالم: {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ} [فاطر: 32] والظلوم: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] والظلام إذا كثر ذلك منه، ولله في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسم فكأنه تعالى يقول: إن كنت ظالمًا فأنا غافر وإن كنت ظلومًا فأنا غفور، وإن كنت ظلامًا فأنا غفار: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ} [طه: 82].
المسألة التاسعة:
كثير اختلاف المفسرين في قوله تعالى: {ثُمَّ اهتدى} وسبب ذلك أن من تاب وآمن وعمل صالحًا فلابد وأن يكون مهتديًا، فما معنى قوله ثم اهتدى بعد ذكر هذه الأشياء؟ والوجوه الملخصة فيه ثلاثة.
أحدها: المراد منه الاستمرار على تلك الطريقة إذ المهتدي في الحال لا يكفيه ذلك في الفوز بالنجاة حتى يستمر عليه في المستقبل ويموت عليه ويؤكده قوله تعالى: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} [فصلت: 30] وكلمة ثم للتراخي في هذه الآية وليست لتباين المرتبتين بل لتباين الوقتين فكأنه تعالى قال: الإتيان بالتوبة والإيمان والعمل الصالح مما قد يتفق لكل أحد ولا صعوبة في ذلك إنما الصعوبة في المداومة على ذلك والاستمرار عليه.
وثانيها: المراد من قوله: {ثُمَّ اهتدى} أي علم أن ذلك بهداية الله وتوفيقه وبقي مستعينًا بالله في إدامة ذلك من غير تقصير، عن ابن عباس.
وثالثها: المراد من الإيمان الاعتقاد المبني على الدليل والعمل الصالح إشارة إلى أعمال الجوارح بقي بعد ذلك ما يتعلق بتطهير القلب من الأخلاق الذميمة وهو المسمى بالطريقة في لسان الصوفية، ثم انكشاف حقائق الأشياء له وهو المسمى بالحقيقة في لسان الصوفية فهاتان المرتبتان هما المرادتان بقوله: {ثُمَّ اهتدى}.
المسألة العاشرة:
منهم من قال: تجب التوبة عن الكفر أولًا ثم الإتيان بالإيمان ثانيًا واحتج عليه بهذه الآية فإنه تعالى قدم التوبة على الإيمان، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن العمل الصالح غير داخل في الإيمان لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان والمعطوف مغاير للمعطوف عليه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ}.
وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تكفروا به.
الثاني: لا تدّخرواْ منه لأكثر من يوم وليلة، قال ابن عباس: فدُوّد عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما دَوّد طعام أبدًا.
الثالث: لا تستعينوا برزقي على معصيتي.
{فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} قرئ بضم الحاء وبكسرها ومعناه بالضم ينزل، وبالكسر يجب.
{فَقَدْ هَوَى} فيه وجهان:
أحدهما: فقد هوى في النار.
الثاني: فقد هلك في الدنيا.
قوله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} أي غفار لمن تاب من الشرك {وآمن} يعني بالله ورسوله و{عمل صالحًا} يريد العمل بأوامره والوقوف عند نواهيه.
{ثُمَّ اهْتَدَى} فيه ستة تأويلات:
أحدها: ثم لم يشك في إيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني: لزم الإِيمان حتى يموت، قاله قتادة.
الثالث: ثم أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قاله الربيع بن أنس.
الرابع: ثم أصاب العمل، قاله ابن زيد.
الخامس: ثم عرف جزاء عمله من خير بثواب، أو شر بعقاب، قاله الكلبي.
السادس: ثم اهتدى في ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ثابت. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ}.
ظاهر هذه الآية أن هذا القول قيل لبني إسرائيل حينئذ عند حلول هذه النعم التي عدد الله تعالى عليهم، وبين خروجهم من البحر وبين هذه المقالة مدة وحوادث ولكن يخص الله تعالى بالذكر ما يشاء من ذلك. ويحتمل أن تكون هذه المقالة خوطب بها معاصرو رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعنى هذا فعلنا بأسلافكم ويكون قوله تعالى: {كلوا} بتقدير قيل لهم كلوا، وتكون الآية على هذا اعتراضًا في أثناء قصة موسى المقصد به توبيخ هؤلاء الحضور إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله تعالى، والمعنى الأول أظهر وأبين. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {نجينا وواعدنا ونزلنا ورزقناكم} إلا أن أبا عمرو قرأ {وعدناكم} بغير ألف في كل القرآن، وقرأ حمزة والكسائي: {أنجيت وواعدت ونزلنا ورزقتكم}. وقوله: {وواعدناكم} قيل هي لغة في وعد لا تقتضي فعل اثنين ع وإن حملت على المعهود فلأن التلقي والعزم على ذلك كالمواعدة، وقصص هذه الآية أن الله تعالى لما أنجى بني إسرائيل وغرق فرعون وعد بني إسرائيل وموسى أن يصيروا إلى جانب طور سيناء ليكلم فيه موسى ويناجيه بما فيه صلاحهم بأوامرهم ونواهيم، فلما أخذوا في السير تعجل موسى عليه السلام للقاء ربه حسبما يأتي ذكره، وقالت فرقة هذا {الطور} هو الذي كلم فيه موسى اولًا حيث رأى النار وكان في طريقه من الشام إلى مصر، وقالت فرقة ليس به و{الطور} الجبل الذي لا شعرا فيه وقوله: {الأيمن} إما أن يريد اليمن وإما أن يريد اليمين بالإضافة إلى ذي يمين إنسان أو غيره. و{المن والسلوى} طعامهم، وقد مضى في البقرة استيعاب تفسيرهما، وقوله تعالى: {من طيبات} يريد الحلال الملذ لأن المعنى في هذا الموضع قد جمعهما واختلف الناس ما القصد الأول بلفظة الطيب في القرآن، فقال مالك رحمه الله الحلال، وقال الشافعي ما يطيب للنفوس، وساق إلى هذا الخلاف تفقههم في الخشاش والمستقذر من الحيوان. و{تطغوا}.
معناه تتعدون الحد وتتعسفون كالذي فعلوا ع. وقرأ جمهور الناس {فيحِل} بكسر الحاء {ومن يحلِل} بكسر اللام، وقرأ الكسائي وحده {فيحُل} بضم الحاء {ومن يحلُل} بضم اللام فمعنى الأول فيجب ومعنى الثاني فيقع وينزل، و{هوى} معناه سقط من علو إلى أسفل ومنه قول خنافر:
فهوى هوي العقاب... قال القاضي أبو محمد: وإن لم يكن سقوطًا فهو شبيه بالساقط والسقوط حقيقة قول الآخر: الوافر:
هويّ الدلْو أسلمه الرشاء... ويشبه الذي وقع في طامة أو ورطة بعد أن كان بنجوة منها بالساقط فالآية من هذا أي {هوي} في جهنم وفي سخط الله، وقيل أخذ الفعل من لفظ الهاوية وهو قعر جهنم، ولما حذر لله تعالى غضبه والطغيان في نعمه فتح باب الرجاء للتائبين، والتوبة فرض على جميع الناس بقوله تعالى في سورة النور: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون} [النور: 31]. والناس فيه على مراتب إما مواقع الذنب وقدرته على ذلك باقية فتوبته الندم على ما مضى والإقلاع التام عن مثله في المستقبل، وإما الذي واقع الذنب ثم زالت قدرته عن مواقعته لشيخ أو آفة فتوبته الندم واعتقاد الترك أن لو كانت قدوة، وأما لم يواقع ذنبًا فتوبته العزم على ترك كل ذنب والتوبة من ذنب تصح مع الإقامة على غيره وهي توبة مقيدة، وإذا تاب المرء ثم عاود الذنب بعد مدة فيحتمل عند حذاق أهل السنة أن لا يعيد الله تعالى عليه الذنب الأول لأن التوبة قد كانت مجبة، ويحتمل أن يعيده لأنها توبة لم يواف بها، واضطرب الناس في قوله: {ثم اهتدى} من حيث وجدوا الهدى ضمن الإيمان والعمل، فقالت فرقة معناه لم يشك في إيمانه، وقالت فرقة معناه ثم استقام، وقالت فرقة معناه ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه، وقالت فرقة ثم اخذ بسنة نبيه، وقالت فرقة معناه أمر بسنته، وقالت فرقة معناه وإلى أهل البيت ع وهذه كلها تخصيص واحد منها دون ما هو من نوعه بعيد ليس بالقوي، والذي يقوى في معنى {ثم اهتدى} أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن يخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل، ورب مؤمن عمل صالحًا قد أوبقه عدم الاهتداء كالقدرية والمرجئة وسائر أهل البدع والخوارج فمعنى {ثم اهتدى} ثم مشى في عقائد الشرع على طريق قويم جعلنا الله منهم بمنه ع وفي حفظ المعتقدات ينحصر عظم أمر الشرع. اهـ.